وفي كلمة خلال الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد المسؤول السابق للعلاقات الإعلامية في حزب الله، محمد عفيف النابلسي ورفاقه الشهداء، لفت الشيخ قاسم إلى أن لبنان لم يحصل على استقلاله «إلا بالمعاناة وبالمطالبة وبالموقف وبالسجن، وقبله بكثير كان هناك الشهداء»، حيث «رضخت فرنسا للضغوط الشعبية».
وقال: «نحن نؤمن باستقلال لبنان على كامل أراضيه، لـ 10452 كيلومتراً مربعاً، ولا نقبل أن ينقص شبر واحد من لبنان، وأن يكون عزيزاً كريماً محرّراً، وبعيداً عن التبعية والوصاية، أياً كانت هذه الوصاية».
وأضاف الشيخ قاسم: «في الاستقلال كان المسلمون والمسيحيون معاً قلباً واحداً، ولذلك حرّروا»، مذكراً بأن عملاء إسرائيل أطالوا مدة الاحتلال «لكن الجميع شاهد (...) ما حصل مع لحد، كان ذليلاً عندما خرجت إسرائيل من لبنان سنة 2000، والصور تشهد على ذلك».
وشدّد على أن المقاومة هي «فعلٌ لطرد المحتلّ»، وهي «موجّهة ضد العدو الإسرائيلي»، معتبراً أن أي جهة أو أي شخصية لبنانية تبرّر للعدو الإسرائيلي بعد التحرير، إنما «تريّحه بمواقفها»، وتعطيه «فرصة داخلية إضافية لاحتلاله».
وتابع الشيخ قاسم: «فلنعمل مثل ما عملنا سنة 2000. سنة 2000 خرج الإسرائيلي، كنا جميعاً يداً واحدة (...) وقلنا: عفا الله عما مضى. اليوم، إذا كنا يداً واحدة، فليخرج الإسرائيلي من أرضنا، وليوقف العدوان، وليفرج عن الأسرى، ونحن نستطيع أن نتفاهم مع بعضنا. من الخطأ أن يعمل البعض لخدمة المشروع الإسرائيلي».
ولفت إلى أن «ما يجري اليوم في لبنان ليس عدم تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار»، بل هو «عدوان موصوف ابتدائي يهدف إلى السيطرة على لبنان وتجريده من قوته، كل أنواع القوة التي يملكها عسكرياً واقتصادياً وسياسياً»، مشيراً إلى ما حصل بالأمس مع «اليونيفيل».
وقال الشيخ قاسم: «هذا يعني أن الكلّ في مواجهة هذا العدوان، وبالتالي هذا العدوان لا يقبل أحداً: لا اليونيفيل، ولا الجيش اللبناني، ولا يقبل بالأصل أن يكون هناك استقرار لا في جنوب لبنان ولا في كل لبنان. يريد أن يسيطر بحجج مختلفة».
وجدّد التأكيد على أن الحكومة «مسؤولة أن تفكر، الدولة اللبنانية، بأركانها، مسؤولة أن تضع برامج للمواجهة»، وعلى أن «العدوان هو المشكلة، وليس المقاومة».
وأضاف الشيخ قاسم: «من يقول إن المقاومة مشكلة لأنها لا تستسلم، يقبل أن يسلّم البلد لإسرائيل، (...) ولا أحد يقبل أن يسلّم لإسرائيل تعبث بلبنان كما تشاء».
وخاطب الحكومة قائلاً: «نحن جزء من هذه الحكومة، ونريد لها أن تنجح في بناء لبنان وتحرير لبنان. تُخطئ الحكومة عندما تسلك طريق التنازلات طمعاً بإنهاء العدوان»، متسائلاً: «كم مرة جربتم التنازلات، وقدمتم العروض المسبقة من طرف واحد، ولم تُثمر هذه العروض ولا التنازلات»؟
ورأى الشيخ قاسم أن خطة حصرية السلاح التي أقرتها الحكومة، وانتشار الجيش في جنوب الليطاني - رغم العدوان المستمر-، وإعلان الاستعداد للتفاوض، وإقرار مبادئ ورقة برّاك «المخزية» كلها «تنازلات»، فيما «لم تنفّذ إسرائيل أي خطوة، ولم يُعطِ الأميركي أي ضمانة، (...) بل مطلوب من لبنان أن يعطي أكثر».
ونصح الحكومة بأن تتوقف عن تقديم هذه التنازلات المجانية، قائلاً: «أنا أنصح أن نتوقف. دعونا نقول لا، جربوا قول لا على أساس حقوق لبنان، ونكون معاً جميعاً، وإن بقي بعض المتلوّثين بالرغبة في السيطرة واتباع الأجنبي، سننجح معاً إذا كنا وقفنا جميعاً».
الأميركي معتدي وليس وسيطاً
وحذّر الشيخ نعيم قاسم من «الوصاية الأميركية على لبنان»، معتبراً أنها «خطر كبير جداً».
وقال: «هذه الوصاية لا تعمل من أجل استقرار لبنان»، مشدّداً على أن أميركا «معتدية وراعية للعدوان الإسرائيلي وليست وسيطاً»، وهي «توجّه إسرائيل حول حدود العدوان ليتواءم مع الحركة السياسية والضغط السياسي»، بدليل
أن «الإسرائيلي يقول أنه اعتدى بعد التنسيق مع الأميركي (...) حتى لا يتحمّل المسؤولية وحده».
وتطرق الشيخ قاسم إلى التحريض الأميركي خلال التظاهرات الشعبية، حين أراد الأميركي «أن يُحدث فتنة داخلية وتعديلاً في الموازين الداخلية».
وأكد أن الولايات المتحدة تقف وراء كل أزمات لبنان «العملة انهارت، والبنوك أفلست، والاقتصاد تضرر، والكهرباء منعت أميركا أن تأتينا من مصر ومن الأردن، والنفط عطّلوه من خلال طريقة العمل واستدراج العروض»، حتى «من يسمون أركان الفساد المالي في المرحلة السابقة، وأيضاً المستمرون حالياً، أركان الفساد المالي والسياسي، تجدونهم بيادق بيد أميركا».
«القرض الحسن» للجميع...
وعن زيارة وفد الخزانة الأميركية إلى لبنان، أكد الشيخ قاسم أن «هدفه أن يضيّق مالياً على حزب الله، فيضيّق على كل اللبنانيين»، مجدّداً التأكيد على أن «القرض الحسن مؤسسة اجتماعية، هي لكل الناس وهي رئة التنفّس الاجتماعي في هذا الوضع الصعب لتيسير حياة عموم الناس والفقراء والمحتاجين. ولا يملك أحد سلطة منع الخير والمساعدة والتكافل. لا أحد يدخل بعدوان مجدّد، لا أحد يكون أداة».
ونصح الشيخ قاسم الحكومة وحاكم مصرف لبنان وكل المعنيين بوقف «الإجراءات التي لا تضيّق على حزب الله فقط، ولا على جمهوره فقط، بل تضيّق على كل اللبنانيين».
ولفت إلى «أن هناك جماعة تعمل بيادق بيد أميركا»، وذكّر بأن رئيس الجمهورية تحدث عن الأمر نفسه أيضاً، لافتاً إلى وجود «كلام كاذب، ومحاولة لإثارة الفتنة، وتحريض على إسقاط لبنان تحت إطار الوصاية الأميركية داخلياً وخارجياً».
وتوجه إلى هؤلاء قائلاً: «يا أنتم الذين تريدون بثّ السم، توقّفوا فقط من أجل مستقبل أولادكم. إذا كنتم تريدون مستقبلاً سياسياً في لبنان، فلن تستطيعوا أن تنالوه بالعمالة، ولا أن تنالوه بالتبعية، بل تنالونه بشعبكم الذي ترعَونه، وتوصلونه إلى الطريقة الصحيحة. توقفوا عن تعبئة الناس بطريقة مذهبية وطائفية. توقفوا عن تعبئة الناس بطريقة تؤيد الاحتلال وتعطي الوصاية الأجنبية الدور في لبنان».
وأضاف الشيخ قاسم: »إذا استمريتم على هذا النحو فسيحلّ بكم كما حلَّ بلحد، لحد في نهاية الطريق «لبطوه» ورموه خارجاً لأنه لا يبقى إلا الحق، وأصحاب الأرض هم الذين يستعيدون أرضهم».
تعطيل مجلس النواب غير مبرّر
في شأن آخر، اعتبر الشيخ نعيم قاسم أن تعطيل مجلس النواب «ليس له مبرّر»، وتوجه إلى المعطلين: «أنتم تقولون إنكم تعطّلونه لأنه تُريدون تعديل قانون الانتخابات. حسنًا، سيّروا المجلس النيابي وتابعوا في السياسة ما تريدون، فلا أحد يستطيع أن يمنعكم من متابعة ما تريدون. لكن بالتعطيل لن تستطيعوا أن تصلوا إلى نتيجة».
وانتقد الهجوم على رئيس مجلس النواب، نبيه بري، معتبراً أنه «هجوم آثم، وليس له أي مبرّر سوى تسهيل السيطرة من خلال استدعاء الوصاية الأجنبية».
وأكد الشيخ قاسم أن الرئيس بري «هو ركيزة استقرار لبنان، ومنع الفتنة، وبناء الدولة المستقلة والمحرّرة».
أما بالنسبة إلى قانون الانتخاب، دعا الأمين العام لحزب الله إلى الالتزام بالقانون النافذ، وأن «يصوت المغتربون في الداخل اللبناني».
ودعا إلى عدم إعطاء «فرص إضافية في الخارج لقسم من اللبنانيين، في الوقت الذي لا يستطيع فيه اللبنانيون الآخرون أن يصوتوا براحتهم».
وقال الشيخ قاسم: «تريدونهم أن يصوتوا من الخارج لمصلحة الداخل؟ لا نستطيع أن نُنظّم تحركاً سياسياً، ولا نستطيع أن نجعل هؤلاء الناس يأتون إلى مراكز الاقتراع لأنهم يخافون على مصالحهم، وهذه الدول الأجنبية بعضها معادي لنا ويضيّق الخناق على مَن يعملون في داخلها. أين العدالة؟ أين المساواة في أن يكون لنا فرصة أن يتحرّك كل واحد بطريقة صحيحة في الانتخابات؟».

